مقال | حملة مستشفى أطفال غزة بين الحقيقة والنصب!

د. محمد الوهيب

أستاذ مساعد بالفلسفة السياسية والمعاصرة بجامعة الكويت

ظهر الناشط الفلسطيني الشهير صالح الجعفراوي قبل أيام في فيديو حي مع مجموعة من أصدقائه في غرفة صغيرة في قطاع غزة الجريح، وزعم بأنه لن يخرج من هذه الغرفة إلا عندما يتم تحصيل مبلغ عشرة ملايين دولار لإعادة تعمير مستشفى الأطفال بغزة. الأهم في هذا الموضوع، هو أن هذا الناشط قد أعلن في بداية الفيديو أن هذه الحملة قد تم تنظيمها بالتنسيق مع دولة الكويت ممثلة بالجمعية الكويتية للإغاثة، ووزارة الصحة الفلسطينية في رام الله (الضفة الغربية) وغزة. ولمن لا يعرف، فعلى الرغم من الانقسام بين السلطة الفلسطينية الرسمية وحركة حماس، إلا أن السلطة الفلسطينية كانت ولازالت ملتزمة بدفع 40 % من موازنتها لحماس، ذلك أن هذه الحركة هي المسؤولة عن إدارة هذا القطاع بالكامل. الصورة التي تم تقديمها للناس توحي بأن كل شيء يبدو موثقا ورسميا وجديرا بالثقة، فهناك إشارة لدولة الكويت وسجلها الإنساني الرائع (الكويت ربما كانت الدولة الوحيدة التي تقدم المساعدات الإنسانية دون اشتراط مواقف سياسية)، وهناك إشارة صريحة لوزارة الصحة الفلسطينية، في قول هذا الناشط والشعار الموجود في رأس صفحة اليوتيوب. كل شيء يبدو على ما يرام لهذه اللحظة، حتى ظهر بيان رسمي لوزارة الصحة الفلسطينية يعلن “عدم مسؤوليتها عن هذه الحملة لجمع التبرعات” وبأنها “ليست شريكة فيها” بل “وتحذر من استخدام اسمها أو شعارها لغرض حملات جمع التبرعات”.

قمت شخصيا بالتواصل مع أحد المسؤولين في وزارة الصحة الفلسطينية (ولأنني لم أقم باستئذانه فلن أقوم بكتابة اسمه) فأكد لي صحة هذا البيان وبأن الوزارة لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بهذه الحملة. من ناحية ثانية، قمت بالاتصال بجمعية الإغاثة الكويتية وطلبت محادثة أحد المسؤولين فيها ولكن لم يتح لي ذلك، وأخبرني من قام بالرد على اتصالي بأن وزارة الشؤون الكويتية على علم بهذه الحملة ولقد قامت بالفعل بالتصريح بها، وبأن الحملة بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية، وعندما أخبرته ببيان وزارة الصحة الفلسطينية، نفى معرفته به وقال بأن لديه كل الوثائق التي تؤيد كلامه. طلبت منه أن تقوم الجمعية بإصدار بيان تبدد فيها هذه الشكوك، فأخبرني بأنهم لن يقوموا بذلك وبأن الوثائق موجودة لمن يريد الاطلاع عليها.

أسئلة كثيرة تحيط بهذه الحملة، ونتمنى بالفعل أن تقوم الجمعية الكويتية للإغاثة، والحكومة الكويتية بالإجابة عنها، فأموال الناس لها حرمتها ولا يجوز بأي حال من الأحوال السماح باستباحتها من قبل جهات غير رسمية أو معتمدة، ناهيك عن أن استغلال عاطفة الناس وتدينهم الطبيعي في هذا الشهر الفضيل أمر لا يمكن استحسانه على الإطلاق؛ أسئلة كثيرة تحيط بهذه الحملة خاصة أمام تحرك وزارة الصحة الفلسطينية قانونيا لتقديم شكوى استغلال اسمها في الحصول على تبرعات. المسألة مخيفة بالفعل، من ناحية أخرى، لأن هذا الشخص الذي قامت الجمعية الكويتية للإغاثة بتكليفه لقيادة هذه الحملة في وسائل التواصل الاجتماعي، كان متورطا في حملات تبين أنها نصب واحتيال في السابق. فلقد اتهمه البعض باستغلال هذه الحملات لتحقيق مكاسب شخصية كترميم منزله الخاص (قام بالفعل بالظهور بفيديو يبرر هذا الفعل)، وقام في حادثة أخرى/ فيديو آخر بالاعتذار من المتبرعين بعدما تحصلت حملته على 700 ألف دولار، وقال حينها بأنه لا يعرف أي شيء عن هذه الجمعية الخيرية السويدية التي قام بالتعاون معها في تحصيل هذه التبرعات، وكل تلك الأمور والتصريحات موثقة.

السؤال الآخر موجه لوزارة الخارجية الكويتية: أمام هذا الوضع المتهالك لحكومة حماس التي تدير القطاع، وتضحيتها بجيل كامل من شعب غزة البريء بسبب خطأ في التقدير السياسي، كيف يمكننا اليوم الوثوق بها لإدارة هذه الأموال ومتابعة أوجه صرفها والتأكد أن هذه الأموال قد ذهبت لبناء مستشفى؟ نقول ذلك ونحن نعلم بقرار مجلس الوزراء في 7 أكتوبر 2001 الذي أناط بوزارة الخارجية مسؤولية الإشراف على العمل الإنساني الكويتي في الخارج. لتاريخ وإنجازات العمل الخيري الكويتي ماض مشرق بالفعل ونتمنى بالفعل أن يتم تحصينه وضمان سلامته وعدم تعريضه لأي ثغرات أو خروقات توقعنا في المحظورات الدولية كتمويل الإرهاب وغيره.

“الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المنتدى الوطني الكويتي ولا يتحمل أي مسئولية عن محتواه.”