
مقال | معضلة سحب الجنسية -المادة الثامنة- ما بين الحكومة والشعب
م.حمد الفواز
مهندس معماري وكاتب
يبدو لي بأن حكومة الكويت أمام منزلق داخلي خطير وتجازف حقا بسمعتها وصيتها أمام شرائح مجتمعية عديدة لعدم تجاوبها وتفاعلها بالشكل الاحترافي المطلوب أو المتوقع منها مع قضية الشارع الأولى اليوم والرأي العام الكويتي وهي سحب جناسي زوجات الكويتيين (أو ما يعرف بتجنيس المادة الثامنة).
فمن النادر أن يجتمع الفُرقاء من النُّخَب الكويتية على قضية ما .. ومع ذلك، نجد ونلتمس لغة موحدة ومطالب متقاربة لتلك المجاميع من باحثين متخصصين وأكاديميين أو تجّار، أضف عليهم جمعيات النفع العام والكتل السياسية وبعض شخصياتها .. علاوة على أصحاب العلاقة “المتضررين أنفسهم” على اختلاف مشاربهم مع أهاليهم، والمتعاطفين معهم من الشعب وهم كُثُر.
فهل من صالح الحكومة سياسياً تأليب الشارع ضدها في ظل غياب البرلمان “المعطل”؟! والوقوف في مواجهة مباشرة أمام فسيفساء مجتمعية اتفقت بالرغم من اختلاف مرجعياتها على استنكار سحب جناسي المادة الثامنة بهذه الطريقة وبهذا النهج؟! دون حتى شرف المحاولة لطلب “نقطة نظام” لمراجعة الملف واحتواء الموقف .. وربما المبادرة بايقاف قرارات السحب لدراسة مستفيضة أكثر، لامتصاص غضب الشارع وامتعاضه أولا، وللتباحث لايجاد واعداد حل توافقي مرضي لجميع الأطراف مع ضمان سيرورة العدالة ثانيا.
امتعاض الشارع نابع من ايمانه الراسخ بعدم عدالة إجراءات السحب الواقعة بحق تلك الفئة لعدة أسباب قانونية واجتماعية من جهة وأخلاقية وإنسانية من جهة أخرى .. حيث يرى الكثير بأن المتجنسات على المادة الثامنة قد نالوا الجنسية بالطرق القانونية السليمة، وتخلوا طواعية عن جنسيات/جوازات بلدهم الأم حسب متطلبات القانون الكويتي (ويجدر الذكر بأن بعض الحالات تخلوا عنها منذ أكثر من 20 عام!) فإذا كانت هناك أخطاء إجرائية بالتجنيس بسبب قصور حكومي “آنذاك” في فهم وتطبيق القانون، فليس من العدالة نزع/سحب الجنسية منهن لخطأ قانوني/اجرائي لم يقترفوه أو كانوا سببا فيه .. بل على العكس أصبحوا ضحية له الآن وبأثر رجعي!
ومن جهة أخرى يتساءل الكثير .. هل من العدالة وضع النموذج الصالح والطالح من زوجات الكويتيين في قالب واحد؟! فإذا استغلت بعضهن القانون لصالحها أو لصالح ذويها من خلال الحصول على امتيازات إضافية وصفقات مشبوهة!! فهل من العدالة معاقبة (الكل) لجرم ارتكبه (الجزء)؟! أولم يكن بالإمكان عمل دراسة تمحيصية أعمق لتمييز الخبيث من الطيّب لتلك الحالات .. ومعاقبة المخالفين والاستغلاليين منهن فقط .. ضف على ذلك الزواجات التي تمت بناءا على مصلحة أو منفعة آنية .. وليس الهدف منها فعليا الاستقرار والسكن أو تكوين أسرة.
شكك البعض بعدم دراسة الحكومة الآثار المترتبة على هذا السحب من جميع النواحي، بدليل ما سببته تبعات السحب من ربكة حتى داخل أجهزة الدولة من وزارات وهيئات .. إضافة إلى التأمينات والبنوك التي بدورها تعتبر أهم ركائز الاقتصاد الكويتي. فوجىء العموم بقرارات ارتجالية تم التصريح عنها بعد أيام من أوائل اعلانات سحب الجنسية -المادة الثامنة- بعد تصاعد موجة عارمة من التساؤلات وسط حالة من التذمر المجتمعي .. منها على سبيل المثال، الإبقاء على نفس الامتيازات المالية والوظيفية والصحية لهن حتى بعد اسقاط المواطنة عنهن! علما بأن الحكومة لم تتطرق عن الامتيازات السكنية والملكيات العقارية بشكل واضح جلي بعد! كما لم يتم الافصاح عن وضعهن القانوني الجديد .. ولا عن آلية وكيفية استرجاع تلك الفئة لجنسية موطنهن الأصلي؟! وكيف بامكانهن السفر (لأي سبب كان) خلال هذه الفترة بدون (جنسية) وعليه بدون (جواز سفر)؟!
لا نود أن تجني الحكومة على نفسها كما جنت قبلها براقش .. وذلك بعمل فجوة مجتمعية بينها وبين الشارع الكويتي بسبب اختلاف مستحق في وجهات النظر القانونية والأخلاقية بخصوص قرارات واجراءات تخص ملف الهوية الوطنية وتبعاتها! كما لا نود أن توصف الحكومة بالتعنت في تطبيق القوانين حسب فهمها وتأويلها الخاص، خاصة وأننا في بداية مرحلة إصلاحية جادة مسئولة بعد كساد وركود عصف بالدولة امتد لسنين طويلة.
دعمنا الحكومة بجميع خطواتها الإصلاحية ابتداءا من تطوير منظومتها المترهلة وضبطها داخليا لتحقيق رؤيتها بقرارات ملموسة للشارع. ففرحنا وهلّلنا .. عندما تم فتح ملف الشهادات المزورة، والتلاعب بمميزات ذوي الإعاقة، والحيازات الزراعية، وتحويل قضاة ووزراء وأعضاء مجلس أمة للنيابة والذي ما يزال يقبع بعضهم بالسجون لثبوت الفساد عليهم. وضبط الدوام الحكومي وبند المصروفات وحماية الشارع والمجتمع من شرور المجرمين وجنون المستهترين .. كما سعدنا عندما طرحت الحكومة مناقصات استثمارية بالمدن الجديدة من خلال مؤسسة الإسكان والتوجه بفتح السوق للمطورين العقاريين.
كما كنا وما زلنا من أكثر المؤيدين والمناصرين لملف الحفاظ على الهوية الوطنية ابتداءا من كشف المزورين والمزدوجين وتطبيق القوانين الصارمة عليهم، لأهمية هذا الملف وانعكاساته الأمنية والاجتماعية داخليا في دولة صغيرة مسالمة باقليم مضطرب معقد جدا. كما نؤكد بأن الهوية الوطنية غير محصورة على ملف الجنسية فقط، بقدر ماهو مشروع وطني برؤية متكاملة تبتدأ بغرس قيم الانتماء في الأسرة وتكريس وتعزيز الولاء بالمدرسة والجامعة والمسجد للوطن والأمير مدعوما بالخطاب الإعلامي للدولة وملحقاته.
بالنهاية .. أتمنى أن لا تغامر حكومة الكويت بسمعتها الدولية فتخسر لقب بلد الإنسانية المعروف عنها بسبب قوانين واجراءات لا تليق بسمعتها وجلالة مقامها. كما لا أود لها أن تخسر أيضا قاعدة شعبية واسعة ومهمة لطالما ساندتها ودعمتها في ملف الهوية الوطنية بسبب إجراءات (تعسفية) غير منطقية أضرت بفئة كبيرة من المواطنات حملة جناسي المادة الثامنة.