مقال | اتفاق وقف النار الموقع بين حماس واسرائيل

د. محمد الوهيب

أستاذ مساعد بالفلسفة السياسية والمعاصرة بجامعة الكويت

بعد مرور أكثر من عام من المآسي والدمار الذي حل بالجانبين (رغم أن الدمار والخسائر التي حلت بقطاع غزة لا يمكن مقارنتها على الإطلاق بما حدث في إسرائيل). أشرح هنا كيف سيكون هذا الاتفاق وبالا على حماس ومستقبلها في فلسطين المحتلة. أعتقد أن اتفاق وقف إطلاق النار ليس في مصلحة حماس على الإطلاق لعدة أسباب أناقشها هنا. أما ما تتغنى به هذه الحركة وجيشها‫” الاخونج‬ ” في الفضاء الالكتروني من انتصار، فهو ليس سوى “كلام مأخوذ خيره” كما يقول الكويتيون، فأي إنسان يستطيع استخدام ما يشاء من ألفاظ، وأن يعطيها ما يشاء من معاني! اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه ليس في مصلحة حماس على الإطلاق للأسباب التالية، وباختصار شديد:

‏١- لقد أدى الاتفاق بالضرورة لتعطيل الزخم الذي حققته حماس خلال عملياتها. إذا كانت حماس قد اعتقدت أن أفعالها تحقق نفوذًا سياسيًا أو عسكريًا – سواء من خلال لفت الانتباه الدولي أو دعم قاعدتها الشعبية – فإن وقف إطلاق النار لا يمكن فهمه إلا على أنه انتكاسة لهذه المكاسب.

٢- لقد تضررت سمعة حماس بين مؤيديها كثيرا، وتم النظر إلى الموافقة على وقف إطلاق النار من قبل هؤلاء المؤيدين على أنه تنازل ودلالة على الضعف الذي أصاب الحركة، وربما كان هذا ما يفسر الحملة الإخونجية الكبيرة والتي تم إغداق الأموال عليها، في محاولة لتسويق هذا الاتفاق على أنه انتصار. سمعة ‫حماس بين مؤيديها – يمثل تحديًا كبيرًا لحركة تُصوّر نفسها كقوة مقاومة لإسرائيل. والحال أننا بدأنا نرى ونسمع الكثير الأصوات من داخل غزة نفسها والتي بدأت بالتشكيك في السردية الحمساوية.. لقد أدى وقف الأعمال العسكرية ضد إسرائيل إلى تقويض السردية الحمساوية بأنها مقاومة لا تتنازل ولا تهادن.

٣- من ناحية أخرى، إن وقف إطلاق النار سيعطى الفرصة لإسرائيل لإن تتمكن من إعادة تنظيم صفوفها، وتعزيز دفاعاتها، والتكيف مع تكتيكات حماس. ربما وضع ذلك الأمر حماس في موقف استراتيجي ضعيف، ذلك أن توقف العمليات العسكرية سيصبح أمر يستفيد منه الخصوم في إعادة التقييم والاستعداد.

٤- سيحقق وقف إطلاق النار تخفيفا مؤقتًا للأزمة الإنسانية في غزة، إلا أنه لن يعالج الأسباب الجذرية للصعوبات الاقتصادية. والحال أنه إذا لم يؤد الاتفاق إلى تحسينات ملموسة في حياة أهل ‫غزة، فقد يُنظر إلى حماس على أنها فشلت في تحقيق نتائج ملموسة لمناصريها، ناهيك عن المواطن الغزي العادي الذي ثار ضد حماس أكثر من مرة خلال السبعة عشر الأخيرة. تحتاج غزة مئة مليار دولار لإعادة الإعمار، ومن المؤكد أن إيران‬ لن تقوم بهذا العمل أو دولة خليجية منفردة دون تنازلات أو شروط.

٥- سيؤدي وقف إطلاق النار إلى تفاقم الانقسامات الداخلية داخل حماس أو بين حماس والفصائل الأخرى، مثل ‫الجهاد الإسلامي أو ‫فتح، ومن المحتمل جدا أن تظهر على الساحة الغزاوية في الفترة المقبلة عناصر متشددة داخل حماس أو خارجها تنظر للاتفاق مع إسرائيل على أنه خيانة للقضية – وهو الأمر الذي سيؤدي بشكل مباشر لإضعاف تماسك الحركة.

٦- . على عكس ما يصور لنا الاخوان المسلمين‬ في الفضاء الالكتروني، فالمستفيد الحقيقي من اتفاق وقف إطلاق النار هو ‫إسرائيل‬: فلقد تم النظر إليه وتبريره على أنه انتصار تكتيكي لإسرائيل، فاكتسبت عمليتها البربرية في غزة شرعية دولية، أو على الأقل ساهم الاتفاق في تقليل الضغط الخارجي عليها. أما عسكريا، فلا يمكن النظر للمنطقة العازلة التي اقتطعتها إسرائيل من أراضي وعمق غزة إلا انتصارا لإسرائيل؛ هذا تحقق فعلي للأهداف العسكرية الإسرائيلية. في النهاية، يعتمد تفسير ما إذا كان وقف إطلاق النار في مصلحة حماس أم لا على شروط الاتفاق المحددة، وهي الشروط التي لا نعرف عنها سوى القليل، وأهداف الحركة قصيرة وطويلة المدى، والسياق الجيوسياسي والداخلي الأوسع. وإلى ذلك الحين يبقى المجال مفتوحا لقراءة الأحداث والوقائع وتفسيرها، والأهم هو أن تكون هذه القراءة موضوعية لا تشتري بضاعة الإخونج الإعلامية الفاسدة.

By Published On: فبراير 7th, 2025Categories: مقالاتالتعليقات على مقال | اتفاق وقف النار الموقع بين حماس واسرائيل مغلقة